• Cairo, Egypt / info@randarizk.com

  • سبتمبر 2, 2024

التعليم المقلوب ضرورة مُلحة في زمن الـ”كورونا”

التعليم المقلوب ضرورة مُلحة في زمن الـ”كورونا”

التعليم المقلوب ضرورة مُلحة في زمن الـ”كورونا” 600 360 nada.khaled171710@gmail.com

يعتمد تطور الأمم بصفة أساسية على تطور التعليم، ومن هذا المنطلق جاء الاهتمام المتواصل من أجل تطوير المنظومة التعليمية في مصر، في إطار الخطة الطموحة التي يقودها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحقيق النهضة الشاملة، وفقًا لاستراتيجية وجدول زمني دقيق.

ولعل تداعيات جائحة كورونا التي هبطت على العالم دون سابق إنذار تشكل تحديًا جديدًا أمام الإدارة السياسية لاحتواء تأثيرها على كافة الأصعدة، ولعل أبرز القطاعات التي حصدت نصيب الأسد من هذه التأثيرات السلبية بعد القطاع الصحي، كان قطاع التعليم.

وعلى الرغم أن تقنيات التعليم المقلوب والتعلم النشط جاءت لتضفي الكثيرمن الفاعلية للعملية التعليمية، إلا أن ضرورتها في ظل هذه الجائحة وماتمثله من تحديات باتت أمرًا ملحًا، وخاصة أن هناك توقعات بأن كورونا لن تكون الجائحة الجديدة، حيث تشير العديد من الدراسات أن العالم ربما يشهد خلال العقود المقبلة أوضاعًا مماثلة بسبب فيروسات جديدة.

ولطالما كان تعليم الكبار والمتسربين من التعليم من أهم القضايا التي تواجه الكثير من دول العالم الثالث، ولاسيما دول الشرق الأوسط، حيث تشكل لها عائقًا كبيرة وعقبة ضخمة؛ وذلك لأن تلك الدول تعتمد في معالجة تلك المشكلات على برامج متواضعة ومتأخرة وغير فعالة بالمرة، كاستخدام تقنيات لا تتناسب مع تلك الفئات، مما يمنعهم من الاستمرار في التحصيل، ويحط من درجة استيعابهم للمقررات الدراسية.

وقد أثبتت التقنيات الحديثة للتعلم مثل التعليم النشط والتعليم المقلوب ومسرحة المناهج التعليمية فاعلية كبيرة، وذلك من خلال تطبيقها على المدارس كافة بدول العالم المختلفة، ولكن على الرغم من ذلك، إلَّا أن تلك التقنيات الحديثة لم تستخدم بعد في معالجة مشكلات تعليم المتسربين من التعليم وتعليم الكبار وكذلك في برامج محو الأمية، وبناءً على التجارب الناجحة لتلك التقنيات، يمكن القول إن استخدامها في تعليم المتسربين من التعليم وكبار السن ستأتي بنتائج ممتازة وستحقق فاعلية ربما تتخطى فاعليتها في برامج التعليم بالمدارس، حيث إن تلك التقنيات ستعزز ولا شك من درجة استيعاب المتسربين من التعليم وكبار السن للمقررات الدراسية، وستشكل لهم عامل جذب مهم للاستمرار والمواظبة في التعلم عبر تلك التقنيات الحديثة، لما لها من مفعول سحري وأثر ملحوظ، ويتجلى ذلك في تحسين عملية التفاعل بين المتعلم والمعلم وترقيتها، إضافة إلى سهولة استيعابها وتبسيط المواد التعليمية على المتلقي.

ومن أهم المفاهيم الحديثة التي أثبتت فاعليتها في تنمية التحصيل الدراسي لدى الطلاب وتنمية مهاراتهم المختلفة، وذلك عبر التطبيق، تأتي مفاهيم التعلم النشط والتعليم المقلوب ومسرحة المناهج التعليمية، وإن كان تطبيق كل مفهوم منها على حدة قد أثبت فاعلية بدرجة تأثير معينة، وذلك في الحدود القصوى المتاحة لكل من هذه المفاهيم، ويمكننا التوصل إلى مفهوم جديد من خلال الدمج بين تلك التقنيات والمفاهيم الثلاثة، ويكن المفهوم الجديد أكثر فاعلية وتكاملًا في تنمية المهارات الخاصة بالطلاب وتنمية المستوى الدراسي الخاص بهم.

وبناء على تغير نوعية الطلاب إلى حد كبير، ولاسيما في القطاع الخاص بالتعليم العالي، وذلك في أواخر القرن العشرين وإلى الآن من القرن الحادي والعشرين، حيث أصبح الكثير منهم طلبة محل مسئوليات، مما يجعلهم ملتزمون بارتباطات عائلية وأعمال ووظائف، كما أن الكثير منهم دائم التنقل ليفي بتلك الالتزامات والمسئوليات والارتباطات، لذلك كان من الضروري ـ لمواكبة هذا التطورـ ظهور الكثير من التقنيات الحديثة في عملية التعلم، كما هو موجود مثلًا في التقنية الخاصة بالتعليم المعكوس، والذي يمكنه تقديم المحتوى التعليمي من خلال فيديوهات تعليمية متاحة على الإنترنت، مما يمنح المجال للطلبة ذوي الارتباطات المختلفة والمسئوليات المتعددة، الاستفادة من ذلك. حيث يمكنهم الاستفادة من أوقات فراغهم بمشاهدة تلك الفيديوهات التعليمية المتاحة على الإنترنت، عبر تقنية التعليم المفتوح، وذلك كلما سنحت له الفرصة، مما يمكنه ويتيح له الفرصة للمناقشة المراجعة وتدوين الأسئلة والملاحظات ليعرضها على المعلم فيما بعد، إضافة إلى هذا النظام يمنح الطالب راحة نفسية، وذلك من خلال تحررهم من التزامات الدراسة والتخلص من القلق والضغوط الناتجة عن ازدحام الجدول بالمسئوليات والالتزامات والارتباطات، والتي قد تمنعهم من المتابعة النمطية للشرح التقليدي للمعلم.

لقد أثبتت تقنية مسرحة المناهج فاعلية كبيرة في تنمية المهارات الخاصة بالطلاب، حيث تعتبر من أكثر التقنيات التربوية نجاحًا في تحقيق الخبرة سواء للمؤدي أو للمتلقي، حيث تهدف إلى تحويل المواد الدراسية إلى صور متحركة، وذلك للخروج بها من المجالات المحدودة والضيقة، وهو ما يجعلها أكثر إقناعًا وحيوية للطلاب، ويرسخ ذلك المادة في أذهانهم وييسرها ويبسطها لهم، حيث تستطيع تلك التقنية تحويل العملية التعليمية من طور المعلومات التي تتكدس في عقول الطلاب إلى خبرات يمكنهم التفاعل معها واكتسابها والتعامل معها، كما يمكن لتلك التقنية تحويل المناهج من مجرد كلام نظري إلى نشاط حركي تفاعلي، وذلك من خلال تجسيده على مسرح المدرسة.

تواجه بعض المدارس صعوبات كبيرة في الحصول على معلم كفء ولاسيما في التخصصات العلمية، في حال ترك المعلم الأساسي للمدرسة أو انشغاله بأمر طارئ، فتضطر المدرسة إلى تعبئة الشاغر بأي معلم متوفر، وهو ما يكون على حساب الطالب؛ لعدم كفاءة المعلم وعدم وجود الخبرة لديه.

ويقدم التعليم المعكوس حلًّا سحريًّا لتلك المشكلة، حيث يمكن الاستعانة بالفيديوهات التي تم تسجيلها مسبقًا من قِبَل المعلمين الأكثر كفاءة، وهو ما يمكن المعلم من تسجيل فيديوهات خاصة بدروس قادمة، ولا يكون موجودًا حيث يأتي موعد شرحها في المدرسة، ولن يتم التأخر في المنهج حتى إذا فكر المعمل في الحصول على إجازة اضطرارية خلال الدوام، حيث يمكنه تسجيل الدروس التي يجب على الطلاب أن يدرسوها في وقت غيابه.

كما تمكن خاصية الفصول المقلوبة الآباء من التعلم إلى جانب أبنائهم، وذلك من خلال مشاركتهم في مشاهدة المحاضرة التي تم تسجيلها، وهو ما يوثق من علاقتهم بأبنائهم ويوطد علاقتهم بهم، ويجعلهم في اطلاع دائم على مستواهم التعليمي، ويبث في نفوسهم الطمأنينة على سير الأمور على ما يرام.

وبالنسبة لتقنية التعلم النشط، والتي يعتبر التعلم بالمقلوب أحد أبرز التطبيقات الخاصة بها، فقد ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي، وتفردت بكونها تفعل عمليتي التعلم والتعليم، كما أنها تنشط المتعلم ليشارك بفاعلية، بينما الغاية والهدف من تقنية التعلم النشط تكمن في مساعدة المتعلمين في تحصيل مجموعة كبيرة من المبادئ والمهارات والقيم والمعارف والاتجاهات، إلى جانب تطوير استراتيجيات التعلم الحديثة، والتي بدورها تمكن المتلقي من التعلم والاستقلالية وتنمية قدرته اتخاذ القرارات وحل المشكلات.

ومن خلال ما تم استعرضه فإن التعليم يمثل جهاز المناعة الأول لأي أمة، كما التعليم الضعيف الذي يعج بالمشكلات كجهاز المناعة الضعيف، حيث لا يمكنه مقاومة الفيروسات التي تهاجمه، فيقع فريسة سهلة لتلك الفيروسات، فتتكالب عليه من كل حدب وصوب، ليسقط صريعًا، وهكذا جسد الأمة؛ إذا ضعف تعليمها ضعفت مناعتها، وأصبحت عرضة لفيروسات الغزو الفكري والثقافي ولتقسط مجددًا في براثن التيارات التي تستهدف تفككها وانحلالها.

أ.د/راندا رزق

أستاذ الإعلام التربوي بجامعة القاهرة

عضو المجلس الرئاسي لتنمية المجتمع

Leave a Reply

    Open chat
    واتساب
    Scan the code
    Hello
    Can we help you?
    اتصل الان