في ظل الوتيرة المتسارعة التي يخطوها العالم كل عام، باتت كافة المجالات في حاجة ملحة لمواكبة هذا التطور، ولعل قطاع التعليم العالي ونظرًا لموقفه شديد الدقة في تنمية المجتمعات يستحق أولوية الاهتمام من كافة الأطراف للتأكد من كونه يواكب التطور المتسارع يوم بيوم.
وأصبح التعليم العالي متعدد الوظائف وغرضه التطور إلى جانب التطور الثقافي للمجتمع في السنوات الأخيرة، كان هذا التحول نحو إعادة التفكير في الوظيفة الاجتماعية لدور التعليم العالي، ومن المتوقع أن يكون تطوره في الطليعة مع العديد من الاختراعات العظيمة في التاريخ الحديث بين الباحثين في الجامعة. كقضايا عالمية مثل الاحتباس الحراري، وزيادة عدد السكان وغيرها من القضايا العالمية الآنية.
وتلعب الجامعات وظيفة اجتماعية واستراتيجية في المجتمع، لكنها أصبحت أكثر فاعلية في القرن الحادي والعشرين، حيث باتت ملتزمة بالمسؤولية المجتمعية، والتأكد من أن قطاع التعليم العالي يقوم بتغيير الطريقة التي نفكر ونشعر بها والتفاعل مع القضايا الاجتماعية المعاصرة، والأهم من ذلك، هل هو يحرض على التغيير بالشكل الكافي؟
تُفهم المسؤولية المجتمعية بشكل أفضل على أنها الفكرة التي تمتلكها المنظمات والمؤسسات والأفراد التزام بالعمل لصالح المجتمع ككل، بالاعتماد على المبادئ حول الأخلاق الاجتماعية. حيث تلعب المسؤولية المجتمعية دورًا حاسمًا في قطاع التعليم العالي، مما يعزز مكانة القطاع داخل المجتمع كمحفز للابتكار والتقدم والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
التعليم أداة للتغيير
الجامعة ليست مجرد مؤسسة للتعليم، ولكنها أيضًا أداة قوية للتغيير، البحث والمبادرات التي تستثمرها الجامعة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي وسائد على المجتمع. كما يمكن أن تولد التحولات التي تقودها الجامعة المجتمع نحو تحقيق غايات كبيرة والقفز بخطوات ثابتة.
يجب على الجامعات مراعاة دورها داخل مجتمعها المحلي، إلى جانب دورها على المستوى العالمي المرحلة وهنا تطرح العديد من التساؤلات، لعل أبرزها، كيف يمكن للمؤسسات أن تتطور على المستوى الكلي، وكذلك المستوى الجزئي.
الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يعني وضع الأخلاق والرعاية الاجتماعية كعنصر أساسي في عمليات التنمية. ويمكن أن تختلف الطريقة التي يتجلى بها هذا بشكل كبير بين المناطق والجامعات. فهناك تركيز كبير على تطوع الطلاب في كثير من الحالات، حيث تتطلب الجامعات أن يشارك الطلاب أنشطة ومشاريع مستمرة كجزء من دراستهم، وتوفر بعض المؤسسات الفرص للطلاب التطوع بوقتهم.
وتخصص بعض الجامعات أموالها الخاصة لدعم المجتمع المشاريع أو المشاريع الخيرية/الإغاثة الغوثية ، كما أن الجامعات التي تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية تضمن ذلك السياسات والمبادرات القائمة حول أنشطة الاستدامة، ويمكن أن تتضمن هذه أشياء بسيطة، مثل تعليق الملصقات التي تطلب من الطلاب إطفاء الأنوار عند مغادرة الغرفة أو استخدام المصابيح الكهربائية الموفرة للطاقة في مباني الجامعة. وتتضمن أيضًا مشاريع أكبر بكثير، مثل تقديم الجمهور خيارات النقل أو توفير ممرات الدراجات ومواقفها تشجيع المزيد من وسائل النقل الصديقة للبيئة.وتقدم الجامعات الدعم للخريجين ليكونوا قادرين على ذلك للعثور على وظائف والبقاء في المنطقة المحلية، وتعزيز الاقتصاد النمو والازدهار في المجتمع.
دراسة حالة
هناك العديد من الجامعات حلو العالم نجحت في قطع شوط كبير في مجال المسؤولية المجتمعية، فمثلا جامعة نورثومبريا في المملكة المتحدة لديها تجربة استدامة رائعة تعرض التزام الجامعة بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، من خلال عمليات البحث والتدريس والحرم الجامعي. حيث لديها سجل حافل في مجال البيئة الاستدامة، أهلتها للحصول على العديد من الجوائز.
وكذلك هناك جامعة يونيريتر في البرازيل التي أظهرت التزامًا واضحًا بالمسؤولية الاجتماعية بصفحة مخصصة على موقعها الإلكتروني تشارك المعلومات حول كيفية ذلك يمكن للطلاب المشاركة وإدراج أحدث مشروعاتها. وتشترك الجامعة في هوية متأصلة في قيم المسؤولية الاجتماعية، أظهر من خلال رسالته ورؤيته وقيمه، كما قطعت شوطًأ كبيرًا في التحول الاجتماعي والبيئي لمجتمعها بقيادة نهجهم الخاص تجاه المسؤولية المجتمعية.
وفي ذات الإطار أطلقت جامعة ماسي في نيوزيلندا خطة استدامة ومجموعة من مبادىء المسؤولية المجتمعية للشركات، هدفها الرئيسي “تعزيز” وتسهيل تبادل المعرفة والنقاش والاستشارات بين الأكاديميين والممارسين من القطاعين الخاص والعام. واستشارت الجامعة الطلاب والموظفين على حد سواء من أجل تطوير نهج تعاوني للمسؤولية الاجتماعية، والتي مكنت إنشاء إطار تخطيط الاستدامة في الجامعة.
الخلاصة أن السنوات المقبلة ستشهد تغيرات كبيرة في مفهوم التعليم العالي والجامعات، ولعل الظروف في لم تكون مواتية لملاحقة هذا التطور المتسارع أكثر من هذا الوقت الذي تسعى فيه القيادة السياسية وفق خطة طموحة لتحقي قالتقدم والنمو على كافة الأصعدة، ومن ضمنها دون شك قطاع التعليم العالي الذي يشهد اهتما خاص خلال السنوات الأخيرة، لكن الأهم هو أن تعي الجامعات دورها الجديد بشكل كامل مستفيدة من التجارب المثيلة في الخارج، وأن تؤمن أن المسؤولية المجتمعية لم تعد رفاهية بل دور أساسي من أداورها.
أ.د/ راندا رزق
أستاذ الإعلام التربوي بجامعة القاهرة
Leave a Reply